Friday, February 23, 2007

فيم يختصمون؟

--------------------------------------------------------------------------------

# فيم يختصمون؟

روى أن[ أبا بكر] –رضي الله عنه وأرضاه- عيَّن [عمر بن الخطاب] –رضي الله عنه وأرضاه- قاضيًا على <المدينة>، فمكث [عمر] سنة كاملة لم يختصم إليه اثنان، لم يعقد جلسة قضاء واحدة، وعندها طلب من [أبي بكر] –رضي الله عنه وأرضاه- إعفاءه من القضاء، فقال أبو بكر: أمن مشقة القضاء تطلب الإعفاء يا عمر؟ قال عمر: لا يا خليفة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ولكن لا حاجة بي عند قوم مؤمنين، عرف كل منهم ما له من حق، فلم يطلب أكثر منه، وما عليه من واجب فلم يقصر في أدائه، أحب كل منهم لأخيه ما يحب لنفسه، إذا غاب أحدهم تفقدوه، وإذا مرض عادوه، وإذا افتقر أعانوه، وإذا احتاج ساعدوه، وإذا أصيب عزوه وواسوه، دينهم النصيحة، وخلقهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففيمَ يختصمون؟ ففيمَ يختصمون؟

هنيئًا، ثم هنيئًا، ثم هنيئًا لمن اكتحلت عيناه برؤية ذلك الجمع. اللهم كما حرمناه في هذه الحياة فأقر أعيننا برؤيتهم في جنات النعيم، إخوانًا على سرر متقابلين.

أولئك النَّاسُ إنْ عُدُّوا وإنْ ذُكِرُوا *** وما سِوَاهُم فَلَغْوٌ غَيْرُ مَعْدُودٍ

وأحرَّ شَوقِي إليهِم كُلَّمَا هَجَست *** نفسِي فنفسي بهمْ مجنونة الكَلَف

كَرِّرْ عَليَّ حدِيثَهُم يَا حادِي *** فحدِيثُهُم يَجْلُو الفؤادَ الصَّادِي

فالله الله على ما نطق به فوك من الدرر يا أمير المؤمنين يا فاروق هذه الأمة

فمن يباري أبا حفصٍ وسيرتَه *** ومن يحاول للفاروقِ تشبيها

ومن رآه أمام القدر منبطحًا *** والنارُ تأخذ منه وهو يُزْكِيْهَا

وقد تخلل في أثناء لحيته *** منها الدخان وغاب فُوهُ فِي فِيهَا

رأى هناك أمير المؤمنين على *** حالٍ تروع لعَمْرِ الله رائِيْهَا

يستقبل النارَ خوف النارِ في غَدِه *** والعَيْنُ من خشيةٍ سالت مآقِيها

# تــنــبــيــه:

اخواني، انتبهوا من غفلتكم، فنوم تاغفلة ثقيل، وشمّروا لآخرتكم، فانما الدنيا منزل، وفي طريقها مقيل.

جاء في بعض الأخبار، أن الله تعالى أوحى الى بعض أنبيائه عليهم السلام: يا نبيي، شتان بين من عصاني وخالف أمري، وبين من قطع عمره في معاملتي وذكري ولزوم الوقوف ببابي، ومرّغ خده على أعتابي، فيا خجلة الخاطئين، ويا ندامة البطالين.

وأنشدوا:

اخلوا بنفسك ان أردت تقرّبا *** ودع الأنام بمعزل يا عاني

واعمل على قطع العلائق جملة *** في العيش في خرق الحجاب الفاني

وفي الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم لأصحابه:" يا أصحابي، أتدرون من المفلس؟" قالوا: يا رسول الله، المفلس عندنا من ليس له دينار ولا درهم. فقال لهم:" ليس هو ذلك، انما المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة وصدقة، ثم يأتي وقد شتم هذا، ولطم هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا كذلك، حتى تفنى حسناته قبل أن يؤدي ما عليه، فتؤخذ خطاياهم، فتحمل على خطاياه، ويقذف به في النار، فهذا هو المفلس". نعوذ بالله من الحرمان.

قال بعض الصالحين رضي الله عنهم: أتيت ابراهيم بن أدهم لأزوره، فطلبته في المسجد، فلم أجده، فقيل لي: انه خرج الآن من المسجد، فخرجت في طلبه، فوجدته في بطن واد نائما في زمان الحر، وحيّة عظيمة عند رأسه، وفي فم الحيّة غصن من الياسمين، وهي تشرّد عنه الذباب، فبقيت متعجبا من ذلك، واذا بالحية قد أنطقها الله الذي أنطق كل شيء، فقالت لي: مم تتعجب أيها الرجل؟ فقلت لها، من فعلك هذا, وأكثر تعجبي من كلامك وأنت عدوة لبني آدم. فقالت لي: والله العظيم، ما جعلنا الله أعداء الا للعاصين، وأما أهل طاعته، فنحن لهم منقادون.

وأنشدوا:

فعالي قبيح وظني حسن *** وربي غفور كثير المنن

تبارز مولاك يا من عصى *** وتخشى من الجار لما فطن

ركبت المعاصي وشيبي معي *** فوالله يا نفس ما ذا حسن

فقومي الدياجي له وارغبي *** وقولي له يا عظيم المنن

وقولي له يا عظيم الرجا *** اذا أنت لم تعف عني فمن

بحقّ النبي هو المصطفى *** بحق الحسين بحق الحسن

أيدفع مثلي الى مالك *** وتعلم أني ضعيف البدن

جلس الحسن البصري ذات يوم يعظ الناس، فجعلوا يزدحمون عليه ليقربوا منه، فأقبل عليهم، وقال: يا اخواتاه، تزدحمون عليّ لتقربوا مني؟ فكيف بكم غدا في القيامة اذا قرّبت مجالس المتقين، وأبعدت مجالس الظالمين، وقيل للمخفين جوزوا، وللمثقلين حطوا؟ فيا ليت شعري: أمع المثقلين أحط، أم مع الكخفين أجوز؟ ثم بكى حتى غشي عليه، وبكى من حوله، فاقبل عليهم وناداهم، يا اخوتاه، ألا تبكون خوفا من النار؟ ألا من بكى خوفا من النار نجاه الله منها يوم يجرّ الخلائق بالسلاسل والأغلال.يا اخوتاه، ألا تبكون شوقا الى الله. ألأا وان من بكى شوقا الى الله، لم يحرم من النظر غدا الى الله اذا تجلى بالرحمة، واطّلع بالمغفرة، واشتدّ غضبه على العاصين.

يا اخوتاه، ألا تبكون من عطش يوم القيامة؟ يوم يحشر الخلائق وقد ذبلت شفاههم، ولم يجدوا ماء الا حوض المصطفى صلى الله عليه وسلم، فيشرب قوم، ويمنع آخرون. ألا وانّ من بكى من خوف عطش ذلك اليوم سقاه الله من عيون الفردوس.

قال: ثم نادى الحسن رضي الله عنه: واذلاه اذا لم يرو عطشي يوم القيامة من حوض النبي صلى الله عليه وسلم.

ثم بكى وجعل يقول: والله لقد مررت ذات يوم بامرأة من المتعبدات، وهي تقول: الهي، قد سئمت الحياة شوقا ورجاء فيك. فقلت لها: يا هذه، أتراك على يقين من عملك؟ فقالت: حبي فيه وحرصي على لقائه بسطني. أتراه يعذبني وأنا أحب؟.

فبينما أنا كذلك أخاطبها، اذ مرّ بي صبيّ صغير من بعض أهلي، فأخذته في ذراعي، وضممته الى صدري، ثم قبلته. فقالت لي: أتحب هذا الصبي؟ قلت: نعم. قال: فبكت، وقالت: لو يعلم الله الخلائق ما يستقبلون غدا، ما قرّت أعينهم، ولا التذّت قلوبهم بشيء من الدنيا أبدا.

قال: فبينما أنا كذلك، اذ أقبل لها ولد يقال له:" ضيغم"، فقالت: يا ضيغم، أتراني أراك غدا يوم القيامة في المحشر أو يحال بيني وبينك؟ قال: فصاح الصبي صيحة ظننت أنه قد انشق قلبه، ثم خرّ مغشيّا عليه، فجعلت تبكي عليه، وبكيت لبكائها.

فلما أفاق من غشيته، قالت له: يا ضيغم، قال لها لبيك يا أماه. قالت: أتحب الموت؟ قال: نعم. قالت: ولم يا بنيّ؟ قال لها: لأصير الى ما هو خير منك، وهو أرحم الراحمين، الى من غذاني في ظلمة أحشائك، وأخرجني من أضيق المسالك، ولو شاء لأماتني عند الخروج من ضيق ذلك المسلك حتى تموتي أنت من شدة أوجاعك، لكنه برحمته ولطفه، سهّل ذلك عليّ وعليك. أما سمعتيه عز وجل يقول:{ نبئ عبادي أنّي أنا الغفور الرحيم وأنّ عذابي هو العذاب الأليم} الحجر 49ـ50. وجعل يبكي وينادي: أواه أواه، ان لم أنج غدا من عذاب الله، ولم يزل يبكي حتى غشي عليه، وسقط على الأرض، فدنت منه أمه، فلمسته بيدها، فاذا هو ميّت رحمه الله. فجعلت تبكي وتقول: يا ضيغماه، يا قتيلا في حبّ مولاه. ولم تزل كذلك حتى صاحت صيحة عظيمة، ووقعت في الأرض، قال: فحرّكتها، فاذا هي قد ماتت. رحمة الله عليه وعليها، ورحمنا الله بهما.

# الكبر المستحسن والمستقبح

قال أبو عثمان: من الكبر المستحسن قول وكيع بن أبي سود لعدي بن أرطاة حين قال: سو عليّ ثوبي فقال له: أذكرتني ضيق خفّي، أيها الأمير، خذ خفّي، فضحك عدي و قال: يا أبا مطرف، إن الجليس ليلي من جليسه أكثر من هذا. فقال: إذا عُزلت فكلفنا ما أحببت، ثم ركب الحسن البصري فأخذ وكيع - متبرعاً - بركابه حتى ركب، فاستحسن ذلك الكبر مع هذا التواضع.

دخل عمارة بن حمزة على المنصور فقعد في مجلسه، وقام رجل فقال: مظلوم يا أمير المؤمنين، قال: من ظلمك? قال: عمارة غصبني ضيعتي، فقال المنصور: يا عمارة قم فاقعد مع خصمك، فقال: ما هو لي بخصيم؛ إن كانت الضيعة له فلست أنازعه فيها، وإن كانت لي فهي له، ولا أقوم من مجلس قد شرفني أمير المؤمنين بالرفعة إليه لأقعد في ادنى منه بسبب ضيعة.

لما عزل الحجاج أمية بن عبد الله عن خراسان أمر رجلاً من بني تميم فعابه بخراسان وشنّع عليه، فلما قفل لقيه التميمي فقال: أصلح الله الأمير لا تلمني فإني كنت مأموراً فقال: يا أخا بني تميم، وحدثتك نفسك أني وجدت عليك? قال: قد ظننت ذلك، قال: إن لنفسك عندك قدرا.

جرى بين الرشيد وزبيدة نزاهة نفس عمارة بن حمزة وكبره، فقالت له: ادع به وهب له سبحتى هذه، فإن شراءها خمسون ألف دينار، فإن ردها عرفنا نزاهته، فوجّه إليه فحضر، فحادثه وأعطاه السبحة، فجعلها عمارة بين يديه، فلما قام تركها، فقالت: أنسيها? فأتبعوه خادماً بالسبحة، فقال للخادم: هي لك، فرجع وقال: وهبها لي عمارة، فأعطت زبيدة بها الخادم ألف دينار وأخذتها. وقد روي أن هذا الخبر كان مع أبي العباس السفاح وزوجته أم سلمة.

كان مالك بن مسمع بن شيبان بن شهاب، أحد بني قيس بن ثعلبة، وإليه تنسب المسامعة، سيد بكر بن وائل في الإسلام، وهو الذي قال -لعبيد الله بن زياد بن ظبيان، أحد بني تيم اللات بن ثعلبة، وكان حدثه أمر مسعود بن عمرو من الأزد ولم يعلمه فقال له عبيد الله، وهو أحد فتاك العرب، وقاتل مصعب بن الزبير -: أيكون مثل هذا الحديث ولا تعلمني? لقد هممت أن أضرمها عليك نارا، فقال مالك: اسكت أبا مطر، فوالله إنك في كنانتي سهم أنا أوثق به منك، فقال له عبيد الله: أنا في كنانتك! فوالله لو قمت فيها لطلتها، ولو قعدت فيها لخرقتها، فقال مالك - وأعجبه -: أكثر الله في العشيرة مثلك، فقال: سألت ربك شططاً.

خطب عبد الملك بن مروان إلى عقيل بن علّفة ابنته على أحد بنيه - وكانت لعقيل إليه حاجات - فقال: أما إذ كنت فاعلاً فجنبني هجناءك.

وحدث الجاحظ قال: أتيت أبا الربيع الغنوي، وكان من أفصح الناس وأبلغهم، ومعي رجل من بني هاشم فناديت: أبو الربيع ها هنا? فخرج إلي وهو يقول: خرد إليك رجل كريم، فلما رأى الهاشمي استحيا من الفخر بحضرته فقال: أكرم الناس رديفاً، وأشرفهم حليفا! فتحدث ملياً، ونهض الهاشمي، فقلت: يا أبا الربيع من خير الخلق? قال: الناس والله، قلت فمن خير الناس? قال: العرب والله، قلت فمن خير العرب? قال: مضر والله، قلت: فمن خير مضر? قال: قيس والله، قلت: فمن خير قيس? قال: يعصر والله، فقلت: فمن خير يعصر? قال: غني والله، قلت: فمن خير غني? قال: المخاطب لك والله، قلت: فأنت خير الخلق? قال: إي والله، قلت: أيسرّك أن تكون ابنة يزيد بن المهلب تحتك? قال: لا والله، قلت: ولك ألف دينار، قال: لا والله، قلت: فألفا دينار، قال: لا والله، قلت: ولك الجنة، فأطرق ملياً ثم قال: على ألا تلد مني.

قوله: أكرم الناس رديفاً وأشرفهم حليفا، فإن أبا مرئد الغنوي كان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحليف حمزة بن عبد المطلب رحمه الله.

يروى عن الأصمعي أنه رأى رجلاً يختال في أزيرة في يوم قر فقال له: ممن أنت يا مقرور? قال: أنا ابن الوحيد، أمشي الخير لي، ويدفئني حسبي.

وقيل لآخر في مثل هذه الحال: أما يوجعك البرد? قال: بلى، ولكنني أذكر حسبي فأدفأ.

كان عوف ابن القعقاع بن معبد بن زراة من أتيه الناس وأشدهم وأجفاهم، قال له رجل مرةً: الطريق يا عبد الله، فقال: أعبد الله أنا? فكان الحجاج يقول: لو أدركته لقتلته تقرباً إلى الله عز وجلّ.

كان جذيمة الأبرش لا ينادمه أحد تعظماً ويقول: إنما ينادمني الفرقدان ونظن أن قول الشاعر: وكنا كندماني جذيمة حقبةً

أراد به الفرقدين، وليس كما ذكرته الرواة من حديث مالك وعقيل، فإنهما كان يجوز عليهما الافتراق ولا يجوز ذلك لفرقين.

حكى ابن ثوابة أنه قال لغلامه: اسقني ماء فقال: نعم، إنما تقوا: من يقدر أن يقول: لا، وأمر بصفعه.

ودعا يوماً أكارا وكلمه، فلما فرغ دعا بماء وتمضمض استقذاراً لمخاطبته.


لاتنسونا من صالح دعائكم

قال الله تعالى : ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمَّــــارة بالسوء ) .

دمتم بحفظ الرحمن
إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان
والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

--------------------------------------------------------------------------------

No comments: